قصف بالعبارات!
هذه عبارات طائفة من الكتابِ والمثقفين تعليقا على حربِ غزةَ الطاحنة التي ذهب ضحيتها حتى هذه اللحظة آلاف القتلى والجرحى!
عبارات – وإن حاولت عبثا أن تجعل بين يديها مقدمات تضامنية مع الشعب المحاصر– لا تنتهي إلا إلى خذلان غزةَ وأهلها، لتكون (قصفا) آخر فوق القصفِ الذي تتعرضُ له!
وفي حين نجدُ كتابا غربيين بل يهود (مثل روبرت فيسك، وماري فويس، وكاسيلرز) يشنّون حملةً شعواء على إسرائيل ووحشيتها وهمجيتها ويصرحون بأنَّ للمقاومة حقها المشروع، يشنّ إخواننا هؤلاء –غفر الله لهم– حربا شرسةً على المقاومة الفلسطينية!
لن أدخل هنا في سياقات تخوينٍ وعمالةٍ! فتلك أمورٌ يصعبُ الجزم بها من أجل موقفٍ فكريّ أو رأيٍ سياسيّ، وسأحاول –بصعوبة بالغةٍ– أن أتجرّدَ من العواطف الثائرة لأناقشَ هذه الأطروحاتِ بذات العقلانية التي تزعم أنها تتحلى بها.
تتبنى هذه الأطروحات في مجملها ثلاث أفكار رئيسية:
الفكرة الأولى: أنَّ صواريخ المقاومة وألاعيبها القتالية هي السبب المباشر فيما حدث لغزّةَ، وبالتالي فهي شريكة (للجزار) في جريمة (الذبح ) !
الفكرة الثانية: أنّ المقاومة الفلسطينية الإسلامية إنّما تسعى إلى السلطة من جهة، وتحقيق أجندة خارجية من جهة، وكل ذلك على حساب الفلسطينيين المساكين، متاجرةً بدمائهم، غير عابئة بأرواحهم!
الفكرة الثالثة: أنَّ المقاومة الفلسطينية لا تشكر جميلا، ولا تحفظُ معروفا، وأنّها تستلم تبرعاتِ الدولِ بيد وترجمهم بحجارة التخوين باليد الأخرى!
وجِماعُ هذه الأفكار الثلاث أن المقاومة الفلسطينية المسلحة (غلطانة من ساسها لراسها) كما تقول العامة! أو هي غارقةٌ في الرَّطَأِ واللُّغابةِ والتَّهْتارِ والطَّرَطِ (كلها بمعنى الحماقةِ)، ورموزها أصحابُ هذرٍ وكَنْخَبةٍ (كلها بمعنى الخلط في الكلام) كما يقول العرب الأقحاح!
طلاب سلطة أم شهادة!
بعبارة أخرى، تفضي هذه المقولات إلى حقيقةٍ واحدةٍ هي أنَّ خيار المقاومة المسلحة خيار خاطئ من كل جهةٍ. وأن الحلّ –كما قال أحدهم- يكمنُ "في العقل والحكمة والسياسة الواعية المنضبطة، بعيدا عن الشعارات والهتافات الفارغة التي تضرّ أكثر مما تنفع".
وسأكون هنا معنيا بمناقشةِ الفكرةِ الأولى فحسب؛ لأنّه من العبثِ أن يصدق عاقل أن أولئك المقاتلين الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم، واصطفوا في طوابير الشهادةِ منذ عشرات السنين هم طلاب سلطة! نحن نفهم أن يكون الفارون من المعتركِ، والذين يعيشون في الرفاهيةِ يجنون الملايين، والذين يكتفون بالتصريحات وهم آمنون، نفهم أن يكونوا طلاب سلطة.. لكنْ كيف يكون طالبَ سلطةٍ من يشرع صدره للموتِ، ويطلبُ الشهادة بابتسام؟
كيف للمقاومة أن تكون باحثةً عن سلطةٍ وكل قياداتها بلا استثناء نالت الشهادةَ أو تعرضت لمحاولة اغتيال؟
وكيف تكون (متفرّسةً) ذات أجندة إيرانية وهي التي جاءت بطوعها إلى صلح مكةَ، تلك الخطوة التي أغضبت إيران غضبا شديدا لأنّها أعطت للسعودية شرف السبق؟
وأمّا المنُّ على إخواننا بتبرعاتِنا، والغضب إذا اشتكوا من بعض تقصيرنا، فلا أجد لها مثلا إلا طالبا كلف بثلاثة واجبات، فأنجز واحدا منها على وجهه وأغفل اثنين، فلما لامه أستاذُهُ على ترك الواجبين غضب وقال: ألا يكفيك أنني حللت الواجبَ الأول بإتقان!!
حسنا.. لقد تبرعنا.. وأردنا بذلك وجه الله لا شكر الناس.. وقد شكرَنا إخواننا مع ذلك علنا ورحبوا بوقفتنا، لكنهم عتبوا علينا أننا تركناهم يموتون ويقتلون وقد كان بوسعنا أن نفعل أشياء كثيرة