استشارة : كيف يتم إكرام الضيف ؟أجاب عليها : د. علي بن عمر بادحدح
السؤال :
كيف
يتم إكرام الضيف ؟ وهل إكرام الضيف ان أقوم بالذبح له أوالتكلف بشيء لا
أطيقه لكي أقوم بإكرامه أو أن أتسلف لكي أكرمه .. إذا كانت الإجابة بـ لا
!! كيف أرد على من يقول هذا هو الكرم الذي حث عليه الله سبحانه وتعالى في
ضيف إبراهيم ؟ وشكرا لكمالإجابة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
الأخ السائل الكريم
لقد جاء الإسلام بمكارم الأخلاق، وقال صلى الله عليه وسلم (
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ولا
شك أن إكرام الضيف من مكارم الأخلاق، فلقد خصه النبي بالذكر وجعله علامة
على الإيمان بالله واليوم الآخر، قال صلى الله عليه وسلم: (
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) [متفق عليه]، وفي رواية (
وَمَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ
جَائِزَتَهُ قَالَ وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَوْمٌ
وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ) [متفق عليه].
قال
النووي في شرح الحديث: (قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ الاهْتِمَام بِهِ
[أي بالضيف] فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَإِتْحَافه بِمَا يُمْكِن مِنْ
بِرّ وَإِلْطَاف، وَأَمَّا فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث
فَيُطْعِمهُ مَا تَيَسَّرَ، وَلَا يَزِيد عَلَى عَادَته ، وَأَمَّا مَا
كَانَ بَعْد الثَّلاثَة فَهُوَ صَدَقَة وَمَعْرُوف إِنْ شَاءَ فَعَلَ ،
وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ).
والإسلام لما حث على مكارم الأخلاق منع كل أمر
يؤدي إلى تخلي الناس عنها، وما ذكرته من التكلف للضيف يجعل الناس يحجمون
عن استضافة الضيف حتى لا يكلفهم ما لا يطيقون، لأنهم يقعون بين أمرين: إما
التكلف وتحمل الدين لإكرام الضيف حتى لا يقال بخيل. وإما تجنب استقبال
الضيف حتى لا يقع في التكلف بما لا يطيق.
مع أن هناك خياراً ثالثاً
يجمع بين إكرام الضيف ومراعاة طاقة المضيف وهو ما شرعه النبي صلى الله
عليه وسلم بإكرام الضيف حسب قدرة المضيف، كما يقال: (الجود بالموجود).
أما
التكلف لإكرام الضيف بما لا يطيقه الإنسان فلا يجوز، وهو مخالف للهدي
النبوي الكريم، فعن عُمَرَ رضي الله عنه َقَالَ (نُهِينَا عَنْ
التَّكَلُّفِ) [راوه البخاري] وها هو سلمان الفارسي يطبق ذلك عملياً مع
ضيوفه فعن شقيق بن سلمة قال : دخلنا على سلمان رضي الله عنه، فدعا بما كان
في البيت ، وقال : (
لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف للضيف لتكلفت لكم) [رواه الطبراني وهو صحيح].
وفي الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: (
لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر عليه) [صححه الألباني].
ولنا أن نعتبر إكرام الضيف عبادة ويراعى فيها:
1- أن تكون في حدود طاقة الإنسان ووسعه، فالله تعالى يقول: {
لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة : 286) {
لِيُنفِقْ
ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ
مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا
سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (الطلاق : 7) وهذه الآيات عامة في كل عبادة وكل نفقة ينفقها الإنسان.
2- أن تكون خالصة لله تعالى، فالله سبحانه يقول: {
فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}
(الكهف : 110) ولا شك أن التكلف لكي يقول الناس فلان كريم، أو حتى لا يقول
الناس فلان بخيل قدح في الإخلاص لا ينبغي للمسلم أن يقع فيه.
3- أن
تكون وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولقد كان هدي النبي محمد صلى الله
عليه وسلم أكمل الهدي، وكان في شؤون حياته كلها بعيداً عن التكلف، ونهى
صلى الله عليه وسلم عن التكلف، فيجب علينا اتباع أمره صلى الله عليه وسلم
والاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم.
أما الرد على من يحتج بقصة إبراهيم فيرد عليه بأن إبراهيم عليه السلام لم يتكلف ما ليس عنده، فالآية تقول: {
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ} (الذاريات : 26)
قال
ابن كثير في تفسير الآية: (وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة؛ فإنه جاء
بطعامه من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يمتن عليهم أولا فقال: "نأتيكم
بطعام؟" بل جاء به بسرعة وخفاء، وأتى بأفضل ما وجد من ماله، وهو عجل فتي
سمين مشوي، فقربه إليهم، لم يضعه، وقال: اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم، ولم
يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم، بل قال: {
أَلا تَأْكُلُونَ } على سبيل العرض والتلطف، كما يقول القائل اليوم: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق، فافعل) .
فهو
لم يتكلف شراءه ولم يقترض من أجل ذلك، بل جاء به من بيته، فهو ضمن قدرته
وطاقته، وليس فوق طاقته. وأما من يستدل على التكلف بأنه ذبح لضيوفه عجلاً
فهذا لا دليل فيه على ذلك لاختلاف طبيعة الناس في الأكل من زمن لآخر.
كما
أن التكلف الذي يقع فيه الناس اليوم يؤدي إلى الإسراف والتبذير، وذلك برمي
فائض الطعام الذي يرمى في النفايات، ولم يؤكل منه إلا القليل، وهذا إهدار
للنعمة التي أمرنا بالمحافظة عليها والتي سيسألنا الله تعالى عنها {
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر :
.
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الإسراف والتبذير، وأن يرزقنا الاقتداء بخاتم الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.