الإيمان بالحق
يستمد المؤمن قوته من الحق الذي يعتنقه،
فهو لا يعمل لشهوة عارضة، ولا لنزوة طارئة ولا لمنفعة شخصية، ولا لعصبية
جاهلية، ولا للبغي على أحد من البشر، ولكنه يعمل للحق الذي قامت عليه
السموات والأرض، والحق أحق أن ينتصر، والباطل أولى أن يندثر: (بل نقذف
بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) (الأنبياء: 18)، (وقل جاء الحق
وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً) (الإسراء: 81).
دخل ربعي بن عامر -مبعوث سعد بن أبي وقاص
في حرب القادسية- على رستم قائد جيوش الفرس، وحوله الأتباع والجنود،
والفضة والذهب. فلم يبال بشيء منها، ودخل عليهم بفرسه القصيرة، وترسه
الغليظة، وثيابه الخشنة، فقال له رستم: من أنت... وما أنتم؟
فقال له: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من
شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن
جور الأديان إلى عدل الإسلام.
المؤمن بإيمانه بالله وبالحق على أرض
صلبة غير خائر ولا مضطرب؛ لأنه يعتصم بالعروة الوثقى، ويأوي إلى ركن شديد:
(فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها)
(البقرة: 256).
فليس هو مخلوقاً ضائعاً، ولا كمًّا
مهملاً، إنه خليفة الله في الأرض، إن تظاهر عليه أهل الباطل، فإن الله هو
مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير. فكيف يضعف المؤمن
أمام البشر ومن ورائه الملائكة؟ بل كيف ينحني للخلق ومعه الخالق؟: (الذين
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا
الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) (آل
عمران: 173، 174).
هذا الإيمان هو الذي جعل بضعة شبان كأهل
الكهف، يواجهون بعقيدتهم ملكاً جباراً، وقوماً شديدي التعصب، غلاظ القلوب،
مع قلة العدد، وانعدام الحول والطول المادي: (نحن نقص عليك نبأهم بالحق
إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى * وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا
ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذن شططاً *
هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بيِّن فمن أظلم
ممن افترى على الله كذباً) (الكهف: 13 - 15).