من للمعلم يوفه التبجيلا؟
د. نافذ سليمان
لك الله أيها المعلم حين تفني زهرة
شبابك وأنت تصوغ جيل الأمة ، وتصنع على أيديهم المجد والسؤدد، لك الله
وأنت تحرق شمعة أعصابك وجذوة تفكيرك لتنير لهم الطريق، وتدفع عنهم غوائل
الجهل والفقر والمرض، وتفتح أمامهم بوابات المستقبل ، ليسهموا في بناء
الحضارة الإنسانية ووطن الأحرار.
أما معلمنا الفلسطيني فله الله مرة
بعد الأخرى ، فهو يناضل على جبهات عديدة ومتشابكة ، فعدا عن دوره الرئيس
في التربية والتعليم، فهو الذي يقود المعركة ضد المحتل الأجنبي ، فكم من
المعلمين زج بهم في السجون والمعتقلات، وكم من المعلمين ابعد عن حدود
الوطن، أو تحت ثرى الوطن شهداء، وفي نفس الوقت هم الذين يقودون معركة
التغيير الاجتماعي حين يحاربون الأمية والمحسوبية ويعملون على توحيد الصف
الداخلي، وجمع الكلمة ومطاردة فلول العملاء والمفسدين والملوثين لعقول
وأخلاق أبنائنا من تلامذة الاستعمار والصهيونية والامبريالية الغربية
والشرقية.
إن مسألة اختيار المعلم ليؤدي وظيفته لهي مسألة بالغة الأهمية في حياة الأمم والشعوب،
فهي أشبه بعملية اختيار نوعية معينة على سبيل المثال من الأرض حتى يمكن أن
نضمن إلى حد كبير الشرط الأول في أن تؤتي عملية فلاحة الأرض أكلها ، فالمعلم
هو الذي ينوب عن الأمة في بناء مستقبلها من خلال تربية وتعليم أبنائها،
ولذلك لا بد من حسن الاختيار لمن سيصبح معلماً ضمن مواصفات دقيقة لا مكان
فيها للواسطة أو المحسوبية أو التفضيل الحزبي الضيق ، حتى نضمن
سلامة المخرجات من هذه العملية " فالمناهج مهما حسنت وتطورت فإنها تموت في
يد مدرس ضعيف ، والمنهج الميت يستطيع المعلم الجيد أن يبدأ فيه الحياة"، ويمكن إجمال هذه المواصفات فيما يلي:
1. حسن الخلق وسمو النفس عن سفاسف الأقوال والأفعال لأنه قدوة لتلاميذه ، يؤثر فيهم بسلوكه أكثر مما يؤثر بكلامه وعلمه .
2. الوعي
المهني: وهذا يستلزم منه الإلمام بمادة التخصص، وفن التدريس ، والوعي
بنفسية الطلاب والفروق الفردية بينهم ، والقدرة على الابتكار و التنويع
والتجديد .
3. الانتماء
للمهنة فوق الانتماء الحزبي والنفعي : فالمعلم يحمل رسالة الأنبياء
والمصلحين، فقبل أن تكون غايته من الوظيفة المرتب الشهري، أو إعلاء مكانة
حزبه وتنظيمه، لابد أن يكون عمله خالصاً لوجه الله، موجهاً لخدمة الدين
والوطن، وهذا ما يمنحه ثباتاً في مواقف الاختلاف والفتن والتجاذب السياسي
والحزبي، فلا يخطر في باله أن يضرب عن العمل خوفاً من انقطاع راتب، أو
تأييداً لمناكفات حزبية وسياسية، فالتعليم مهنة وطنية بامتياز لا تسييس
فيها.
4. اجتياز
الاختبار التحريري والمقابلة الشفهية : حيث يميز الاختبار التحريري
المتقدمين على أساس معرفي ، بينما تميز المقابلة الشخصية الفائزين في
الاختبار التحريري على أساس المقومات الشخصية كالقدرة على الكلام والطلاقة
وقوة الشخصية واتزانها،وحسن التصرف في المواقف الصعبة إلى غير ذلك.
إن هذه المعايير والمواصفات تجمع بين
البعد الأخلاقي، والعلمي الكفائي، والمهني الوطني ، والتميز العلمي
الشخصي، ولابد لوزارة التربية والتعليم العالي من العمل في ضوء هذه
المعايير – والتي لا أظن أنها تعمل بدونها، ومن شأن الالتزام بهذه
المعايير حل عدد كبير من المشكلات المرتبطة بتوظيف المعلم ومنها:
* تحقيق مبدأ العدل والشفافية في التوظيف مما يعمق ثقة الجمهور بنفسه وبحكومته .
* توفير معلمين أكفاء علمياً ومهنياً وفي نفس الوقت قدوات صالحة وبذلك نحقق هدفي التربية والتعليم.
* تشجيع
مبدأ المنافسة الشريفة بين المتقدمين لوظيفة التعليم، مما يساعد على تنمية
قدراتهم وتقوية برامج إعدادهم في الجامعات والكليات التربوية.
* حماية المؤسسة التعليمية من الهزات السياسية والخلافات الحزبية، وإبقائها حصناً لحماية أجيال الأمة من التشرذم والضياع.
وأخيراً أحب أن أؤكد مرة أخرى على
خطورة الاختيار لوظيفة المعلم، فهي تشبه تماماً الاختيار لوظيفة الطبيب،
والذي يتوقف عليه بعد إرادة الله حياة الناس وموتهم، كذلك يتوقف على
المعلم حياة العقول واستقامة الأخلاق والسلوك ،والتي هي عماد بناء
المجتمعات وحياتها
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا
فلنختر لأبنائنا أهل الدين والعلم
والوطنية، إن أردنا تغيير الواقع وبناء مستقبل مشرق ، وإلا فلننتظر عقاب
الله لنا في الدنيا بالفشل والتخلف وفي الآخرة بالعذاب واللعنة مصداقاً
لقول النبي (صلى الله علي وسلم): مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ
شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى
يُدْخِلَهُ (رواه الإمام أحمد في مسنده)، وقوله أيضاً "من ولى ذا قرابة
محاباة وهو يجد خيرا منه لم يرح رائحة الجنة".(رواه الطبراني).