من أمور حياتك هو الذي يسيرك يشغل فكرك ويستنفذ جهدك ويستغرق وقتك ويأخذ كل مشاعرك حينئذ يكون أمرك وحالك في خطر عظيم لأن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عاش لدينه ويقينه وترك لأجل ذلك أرضه وبلده وقاس الشدائد وصبر في الأذى ومر بالمعاناة وحتى آخر لحظة من لحظات حياته وهو يودع الدنيا لينتقل إلى الرفيق الأعلى هل أوصى بدرهم ودينار هل انشغل بزوجة وأبناء كلا بل كان يقول (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) (1) (لا تجعلوا قبري عيدا) (2) إلى آخر لحظة يصور لنا القرآن امتثال النبي لأمر الرحمن { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر/99] حتى آخر خفقة قلب لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم وهو موصول بأمته مشغول بدينه وعلى هذا ربى أصحابه فإذا بسعد ابن ربيع يوم أحد بعد انجلاء المعركة يسأل عنه الرسول فيتفقده الأصحاب وهو في آخر أنفاسه فيقول : " وأبلغ رسول الله السلام وقل لقومي ليس فيكم خير قط إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف " مرة أخرى لم يذكر زوجة ولا ولد ولا مال وسيدنا أبو أيوب الأنصاري يوم ذهب مجاهداً إلى الأرض البعيدة يروم أن يكون من المحققين لنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم في فتح القسطنطينية وعندما يمرض يسألونه وهو عندهم من أصحاب النبي ماذا تريد : " قال ادفنوني عند آخر موضع تصل إليه خيول المسلم " ليسجل أنه أراد أن يضع بصمة بجسده العليل الكليل ليقول إنه يخدم هذا الدين ويسخر نفسه لأمة الإسلام والمسلمين والأمة كذلك مربوط بدينها في قيادتها وفي جمهورها فسيد الخلق صلى الله عليه وسلم يوم اعتدى يهودي على امرأة واحدة فكشف سوءتها ما انتظر بل بادر وحاصر وأجلى ورحل من أساؤوا ونقضوا العهود والمواثيق وكلكم يعرف ماذا صنع المعتصم عندما صاحت امرأة واحدة فتحركت دولة كاملة وأمة واحدة لتنتصر وتعلن الوحدة وترفع راية العزة لذلك كانت الأمة قوية لا بكثرة جنودها وجيوشها ولا بسعة أرضها وعديد شعبها بل بعظمة ارتباطها بدينها وتسخيرها كل مقدراتها لإيمانها ويقينها. هذا هو المحور المهم والنكبة الحقيقية العظمى يوم يتخلى المسلم عن دينه ويوم تنبت صلة الأمة بعقيدتها حينئذ تعطي الدنية في دينها وتطأطأ رأسها وتضعف قوتها ويذهب ريحها وتنشق صفوفها ويصيبها الوهن ويدب فيها الداء الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال ( تتداعى عليكم الأمم كما تداعت الأكلة على قصعتها قالوا أو من قلة يومئذ نحن يا رسول الله قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفنكم في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت ) (3) { مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } [التوبة/38] جاذبية في هذه الدنيا بشهواتها وملذاتها أقعدت كثيرين إلى الأرض أخلدت بهم إلى الطين لم تعد أرواحهم تحلق إلى الملأ الأعلى لم تعد أنفسهم إلى معالي الأمور لم تعد صفوفهم تتوحد لمواجهة الكبائر العظمى التي تستهدف أصل الدين والمعتقد والمقدسات والمحرمات التي كانت غيرة رسول الهدى عليه الصلاة والسلام عظيمة لم يكن يغضب لنفسه فإذا انتهكت محارم الله لن يقم لغضبه قائمة صلى الله عليه وآله