مصادر القوة عند المؤمن
أ.د. يوسف القرضاوي
للإنسان في الحياة آمال
عريضة، وأهداف قريبة وبعيدة، ولكن الطريق إليها شائك وطويل، والعقبات
متنوعة، والمعوقات كثيرة، بعضها من الطبيعة وسنن الله فيها، وبعضها من
البشر أنفسهم، فلا غرو أن يظل الإنسان في جهاد دائب، وعمل متواصل، ليتغلب
على الآلام والمعوقات ويحقق الأهداف والآمال.
وما أشد حاجة الإنسان إلى قوة تسند ظهره،
وتشد أزره، وتأخذ بيده، وتذلل له العقبات، وتقهر أمامه الصعاب، وتنير له
الطريق. وليست هذه القوة المنشودة إلا في ظلال العقيدة، ورحاب الإيمان
بالله.
الإيمان بالله
المؤمن قوي؛ لأنه يستمد قوته من الله
العلي الكبير، الذي يؤمن به، ويتوكل عليه، ويعتقد أنه معه حيث كان، وأنه
ناصر المؤمنين، وخاذل المبطلين: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: 49).. عزيز لا يذل من توكل
عليه، حكيم لا يضيع من اعتصم بحكمته وتدبيره.
الإيمان بالله هو الذي يمدنا بروح القوة،
وقوة الروح، فالمؤمن لا يرجو إلا فضل الله، ولا يخشى إلا عذاب الله، ولا
يبالي بشيء في جنب الله. إنه قوي وإن لم يكن في يديه سلاح، غني وإن لم تمج
خزائنه بالفضة والذهب، عزيز وإن لم يكن وراءه عشيرة وأتباع، راسخ وإن
اضطربت سفينة الحياة، وأحاط بها الموج من كل مكان.
فهو بإيمانه أقوى من البحر والموج والرياح، وفي الحديث: "لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال".
وهذه القوة في الفرد مصدر لقوة المجتمع
كله، وما أسعد المجتمع بالأقوياء الراسخين من أبنائه، وما أشقاه بالضعفاء
المهازيل، الذين لا ينصرون صديقاً، ولا يخيفون عدواً، ولا تقوم بهم نهضة،
أو ترتفع بهم راية.
والتوكل على الله -وهو من ثمار الإيمان-
ليس استسلام متبطل، أو استرخاء كسول. إنه معنى حافز، وشحنة نفسية، تغمر
المؤمن بقوة المقاومة، وتملؤه بروح التحدي والإصرار، وتشحذ فيه العزم
الصارم، والإرادة الشماء، والقرآن يقص علينا كثيراً آثار هذا التوكل في
أنفس رسل الله، إزاء أعداء الله.
فهذا نبي الله هود في صراعه مع قومه
«عاد»؛ يجد من هذا التوكل حصناً حصيناً يلجأ إليه: (قالوا يا هود ما جئتنا
ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا
اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون *
من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما
من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) (هود: 53 - 56).
وهذا شعيب وقومه يساومون ويهددون: (قال
الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا
أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذباً إن
عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن
يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علماً على الله توكلنا) (الأعراف: 88، 89).
وهذا موسى بعد أن تميز بقومه عن معسكر
الفراعنة يقول لهم: (يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم
مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين *
ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) (يونس: 84 - 86).
وها هم الرسل جميعاً يعتصمون بالتوكل على
الله أمام عناد أقوامهم وإيذائهم: (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا
سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) (إبراهيم:
12).